الأحد، 11 مايو 2008

19-يا سعيد، لا يهمّك، فإنّني عائدة!

كان المتسلل الأبدي، الفجر، يدهمني من النافذة الشرقية، وكنت راقدًا أحبس أنفاسي، مثلما يحبسها ولد طلع الفجر عليه وقد بلل فراشه فينتظر عجيبة تنقذه من مصيبة، فإذا طرق شديد على الباب نفضني فألقاني في غرفة (يعاد) التي كانت واقفة وقد ارتدت جميع ثيابها، وهي ترتجف جزعًا.
قالت: هل جاؤوا?

قلت: لست أدري.
- فمن الطارق?
- لست أدري.
- أغلق الباب علي، ولا تخبرهم بوجودي هنا، بعرضك!
واشتد طرق الطارق. وسمعنا لغطًا.
فهمست: يا حياتي.
فهمست: ليس الآن، ليس الآن.
- أنت لي.
- فيما بعد، فيما بعد.
- بل الآن، الآن.
فابتعدت عني، فتشبثت بها، ففرت إلى غرفتي، فوقعنا على السرير، فسمعنا الباب الخارجي ينخلع. فانخلع ضلعي الشمال. فأغلقت الباب عليها، ووقفت أمامهم في ثياب النوم.
لقد كانوا عساكر.
- تفتيش!
- لماذا خلعتم الباب?
فأزاحني أحدهم من أمامه. فانتشروا في البيت ينبشون الدواليب ويقلبون الأدراج.
- هل أنت وحدك هنا?
- وحدي.
وكنت، في هذه الأثناء، قد لبست بنطلوني وقميصي ووقفت مستحكمًا أمام باب الغرفة التي اختبأت فيها (يعاد). واستللت بطاقة تدل على نسبي إلى اتحاد عمال فلسطين، واستعذت بالأدون سفسارشك، فكفوا عن النبش والكش.
إلاّ أن الذي بدا رئيسًا عليهم شك في أمر الغرفة التي وقفت أمام بابها المغلق. فأزاحني عنه ليفتحه.. فتسمرت في مكاني. فصاح: افتح! فقلت: لا شيء هناك. فثار غضبه وتقدم نحو الباب. فمددت ذراعي على طولها وقد قررت أن أستشهد. فنظر وراءه إلى جماعته وضحك. فلم يضحكوا. فأمرهم أن ينقضوا عليّ. فترددوا. فزعق. فانقضوا دفعة واحدة. وجرجروني حتى أخرجوني خارجًا. ثم دحلوني على الدرجات من الطابق الثالث. فظلت الأيدي تتقاذفني وأنا مدحول حتى وجدتني في فناء الدرج تحت أقدام يعقوب ويدي متشبثة ببطاقة اتحاد عمال فلسطين، وأنا أمدها، متمددًا، نحو عينيه، فلا تبلغهما.
فصاح: إنني أعرف من أنت، يا حمار. قم وأخبرني بما حدث!
ولكنني لم أفعل.
فقد سمعنا، من فوق، صراخًا أنثويًا، وصوت لطمات، وركل، وجلبة. وتطلعنا إلى فوق فإذا بمعركة حامية تدور بين (يعاد) وبضعة عساكر، كانوا يقذفون بها على الدرج إلى أسفل. ووقف عساكر آخرون وهم يحاولون ألاّ يروا ما يحدث. وهي تقاوم وتصرخ وتركل بقدميها. وعضت كتف أحدهم فصاح من الألم وولى بعيدًا. وظلوا يدفعونها وهي تقاومهم وتركلهم حتى ألقوا بها في فناء الدرج، فهبطت على قدميها منتصبة القامة ورأسها في السماء.

وقال أحدهم وهو يلهث: متسللة. فصرخت: هذه بلدي، داري، وهذا زوجي.
فلفظ يعقوب شتيمة ذات خمسة أحرف.
فنسبتها إلى أمه.
فتكاثروا عليها. ودفعوها أمامهم إلى سيارة كانت امتلأت بالخلق من أمثالها، وذهبوا.
وسمعتها، والسيارة تتحرك، تنادي بأعلى صوتها: سعيد،
يا سعيد، لا يهمك، فإنني عائدة!
وكنت، بعد، متمددًا.

ليست هناك تعليقات: