الثلاثاء، 27 مايو 2008

8-كيف أصبح سعيد صاحب دعوة

قلت لها: نامي، الصباح رباح. ولكنني لم أنم. فقد أدركت أن طريقنا إلى الكنز محفوف بالمخاطر. فإذا لم أتدبره مليًا وقعنا. فلا كنزًا انتشلنا ولا سرًا حفظنا.
فإذا كان البيت الذي شيده أخي، على شاطئ تل السمك، أصبح ملك حكومة الرجل الكبير، ذي القامة القصيرة، فكيف بصندوق في البحر، على أمتار من الشاطئ، أي في مياه إسرائيل الإقليمية قطعًا?
وكانت (باقية)، مثلي، تدرك أن الأمر محفوف بالمخاطر. بل إنه محفوف بأشد المخاطر. بل حسبت أن العرب الذين بقوا في إسرائيل هم، أيضًا، ملك الدولة. قالت إن المختار أخبرهم بهذا الأمر، إنهم أخبروه به.
وكنت، في إحدى الليالي، سألتها: ألم يكن لأخوالك أرض في جسر الزرقاء? فأجابت: بلى. ولكن الحكومة استولت عليها كما استولت على بقية الأراضي في جسر الزرقاء.

فسألتها: ألم يرفع أخوالك أمرهم إلى القضاء?
فأبدت دهشتها. وقالت: قال لنا المختار أنهم قالوا له: حاربتم فانهزمتم، فأصبحتم، وأموالكم، حلالاً لنا. فبأي قانون يطالب المغلوب بحقه?
فما انتبهت إلاّ وأنا أهتف: ها، ها! الآن فهمت حرص الرجل الكبير على منع الشيوعيين عن دخول قريتكم أو عن دخول أمثالها من القرى التي عزلتها الطبيعة. فإذا لم تعزلها، سيجوها بالأسلاك!
ولات ساعة مندم. فقد فتحت باقية عينيها الواسعتين وأمطرتني بالأسئلة:
- من هم الشيوعيون?
- ناس يكفرون بالنعمة.
- أية نعمة?
- نعمة الغالب على المغلوب بالحياة.
- هذه نعمة ربنا.
- فيكفرون بربنا. إنهم ملاحدة.
- كيف يكفرون?
- يدعون القدرة على تغيير المكتوب.
واستعذت بالله. ولكنها ازدادت تلهفًا وإلحاحًا:
- كيف يقدرون على ذلك?
- لعلهم وجدوا، مثلما وجدنا، صناديق تركها لهم آباؤهم مخبوءة على شطئان طنطورتهم.
فهيج هذا الجواب خاطرها، فأبرقت عيناها، وحزمت ما بين حاجبيها فحزمت أمرها، وهي تقول: نستعين بالشيوعيين!
الإشارة إلى الحرمان الذي فرضه الفاتيكان، في أوائل الخمسينيات، على الشيوعيين، فانتشرت شائعة في حيفا أن الشيوعيين قرروا معط لحية الخوري ولذلك حرمتهم الكنيسة.
ولما لم يبق لي والدي، رحمه الله، من متاع الدنيا غير الحذر، فقد جعلت أحمل إليها هذا الميراث صبحة وعشية. فقلت لها: قال والدي، رحمه الله، أن الناس يأكلون الناس، فحاش أن تثق بمن حولك من الناس، إنما عليك أن تسيء الظن بكل الناس، حتى ولو كانوا إخوتك من بطن أمك ومن ظهر أبيك. فإذا لم يأكلوك فقد كانوا يستطيعون أن يأكلوك.
وغير ذلك من كلام الحيطة واليقظة حتى أغفت على ساعدي. فقعدت متيقظًا طول الليل وأنا أفكر في أمر الصندوق وانتشاله

ليست هناك تعليقات: