الثلاثاء، 27 مايو 2008

7-كيف أصبح سعيد (ذا السرّين)

في تلك الليلة سمعت من (باقية) ما لم يسمعه عريس ليلة الدخلة، وما لم يسمع عن صبية في عمرها.
قالت (باقية): اسمع، يا ابن عمي! أحببتك! فبرأس أمي وبرأس أبي أحببتك. وإني أحبك يا ابن عمي. ولكنني ما أحببتك تبعث بهؤلاء الناس يطلبون يدي من خالي.

واسمع، يا ابن عمي! صغيرة أنا. أصغر من السن القانونية للزواج. ولكنني أعرف أن واضعي القانون يتجاوزونه حين تكون لهم من وراء ذلك مآرب أخرى. فما هي مآربهم?
دعني أتكلم، يا ابن عمي، ولا تقاطعني.
ظللت أحبك حتى أحببتني. وها أنا أصبحت عروسك، شريكة حياتك. ها نحن نعمر بيتًا واحدًا.
أصبحت أملي، يا ابن عمي. وأنا أريد العودة إلى خرائب قريتي الطنطورة، إلى شاطئ بحرها الساكن. ففي كهف في صخرة تحت سطحه يسكن صندوق حديدي، مليء بذهب كثير، مصوغات جدتي ووالدتي وأخواتي ومصوغاتي، وضعه والدنا هناك، وأخفاه، وأعلمنا بأمره حتى يلتجئ إليه كل محتاج منا إليه.
أريدك، يا ابن عمي، أن تتدبر أمرنا حتى نعود إلى شاطئ الطنطورة، خلسة، أو أن تعود وحدك، فتنتشل الصندوق من مخبئه، فيغنينا ما فيه عما أنت فيه. وأنا لا أريد لأولادي أن يولدوا محدودبين. لقد تعودت ألاّ أتنفس إلاّ بحرية يا ابن عمي!
وكنت لا أكاد أتنفس وأنا أستمع إليها، إلى هذه الصبية تتكلم بجرأة جعلتني أطبق فمي حتى أحفظ قلبي في مكانه.
فلما بلغت هذا المبلغ من حديثها ظهرت لي الحقيقة التي كان جهلي بها يثير عجبي من أصحابك، يا محترم، كيف يستأسدون على السلطة الجبارة، ولا يهولهم رجل كبير حتى ولو لم يكن قصير قامة، مع أنهم لا يملكون شروى نقير.
أدركت سركم، يا أستاذ! فكل واحد منكم، إذن، لديه صندوق حديدي، في طنطورته، حيث أخفى والده كنزه الذهبي.
فلما أدركت أنني، بهذا الكنز، أصبحت واحدًا منكم دون أن تعلموا من أمري شيئًا، انشال هم عن صدري.
وأعجب ما أعجبني منكم أنكم قدرتم على إخفاء هذا السر، على الرغم من أنه سر شائع بين الألوف، بل عشرات الألوف منكم. فقلت في نفسي: إذا استطاعوا ذلك فكيف لا أستطيعه وسري لم يجاوز الاثنين، (باقية) وأنا?
فقمت إلى (باقية) أطمئنها على أمانتي، وعلى رجوليتي، وأخذت أمزج دموعها بدموعي، وهو أضمن للزواج حتى من امتزاج الدم في عروق البنين، حتى هدأت واطمأنت وأصبحت شريكة حياتي.
ومنذ تلك الليلة رحت ألقب نفسي بذي السرين: سري وسركم. أما معرفتي بسركم فقد خففتني. وأما معرفتي بسر (باقية) فقد أخافتني.

ليست هناك تعليقات: