الاثنين، 2 أبريل 2007



الكتاب الأول:يعاد
مِسْك الختام‎ ‎



أنتُم، أيها الرجال‎!

وأنتنّ، أيتها النساء‎!

أنتم، أيها الشيوخ والحاخاميون والكرادلة‎!

وأنتنّ، أيتها الممرضات‎ ‎وعاملات النسيج‎!

لقد انتظرتُم طويلاً‎

ولم يقرع سعاة البريد أبوابكم‎

حاملين إليكم الرسائل التي تشتهون‏‎

عبر الأسيجة اليابسة‎..

أنتُم، أيها الرجال‎!

وأنتنّ، أيتها النساء‎!

لا تنتظروا،‎ ‎بعدُ، لا تنتظروا‎!

اخلعوا ثياب نومكم‎

واكتبوا إلى أنفسكم‎

رسائلكم التي تشتهون‎..

سميح القاسم‎

‎[‎قرآن الموت والياسمين‎] ‎




(1)

سعيد يدعي التقاء مخلوقات من الفضاء السحيق

كتب إلىّ سعيد أبو النحس المتشائل، قال: أبلغ عني أعجب ما وقع لإنسان منذ عصا موسى، وقيامة عيسى، ‏وانتخاب زوج* الليدي بيرد رئيسًا على الولايات المتحدة الأميركية. ‏
أما بعد، فقد اختفيت. ولكنني لم أمت. ما قتلت على حدود كما توهم ناس منكم، وما انضممت إلى فدائيين كما ‏توجس عارفو فضلي، ولا أنا أتعفن منسيّا في زنزانة كما تقوّل أصحابك. صبرا، صبرا، ولا تتساءل: من سعيد أبو ‏النحس المتشائل هذا? لم ينبه في حياته، فكيف ننبه له? إنني أدرك حطتي، وإنني لست زعيمًا فيحس بي الزعماء، ‏ولكن، يا محترم، أنا هو الندل* ‍! ألم تضحك من الأضحوكة الإسرائيلية عن السبع الذي تسرب إلى مكاتب اللجنة ‏التنفيذية* ? ففي اليوم الأول افترس مدير التنظيم النقابي، فلم ينتبه زملاؤه.. وفي اليوم الثاني افترس مدير الدائرة ‏العربية، فلم يفتقده الباقون. فظل السبع يمرح مطمئنّا ويفترس مريئًا حتى أتى على ندل السُفرة، فأمسكوه أنا الندل، ‏يا محترم، فكيف لم تنتبهوا على اختفائي? لا هم. فالأهم أن اختفائي جاء في أمر عجب ترقبت وقوعه طول العمر. ‏وقعت العجيبة يا معلم، والتقيت مخلوقات هبطت علينا من الفضاء السحيق. وأنا ذا موجود الآن في المعية. وأنا ذا ‏أكتب إليك بسري العجيب هذا، وأنا محلق فوق رؤوسكم. إياك والريبة،
وقولك إن عصر العجائب قد ولّى. فما دهاك، يا معلمي، حتى صرت تعكس الأمور? أما والذين أنا في كنفهم، فإن ‏عصرنا هذا لهو من أعجب العصور، منذ عاد وثمود، إلاّ أننا ألفنا هذه العجائب. فلو قام أسلافنا واستمعوا إلى ‏الراديو، وشاهدوا التلفزيون، ورأوا طائرة الجامبو وهي تهبط في ليل المطار الدامس، تنش وتقصف، لأشركونا. ‏ولكننا تعودنا. فلم نعد نجد في خلع الملوك خارقًا ولا في بقائهم. فبروتس لم يعد أمرًا فذا تكتب الروايات عنه: حتى ‏أنت يا بروتس! ولا تقول العرب: حتى أنت يا بيبرس! وذلك أن السلطان قطز* لم يخرج من فيه سوى حشرجة ‏تركية. وما زال أبو زيد الهلالي يكب على الأيدي تقبيلاً، فلا يتطير السلطان. ‏
لست قطز - يقول الملك. ولا زماني زمان الببرسة يقول: عبده. والقمر أصبح أقرب علينا من تينتنا القمراء* في ‏قريتنا الثكلى. وسلمتم بكل هذه العجائب، فكيف تنكرون عليّ عجيبتي? ‏
مهلاً، مهلاً ولا تتعجل الشرح، يا معلم. كل شيء في وقته يعسل. فاذهب
‏ بسلامتك ولا تماحكني في شكلهم، وفي لباسهم، وفي نظامهم، وفي علومهم.‏
‏ إني أقهقه في وجوهكم: لقد أصبحت أعلم ما لا تعلمون، فكيف لا أتبغدد?‏
أما كيف اختاروني من دون خلق الله أجمعين، فلست متيقنًا أنني الوحيد الذي التقاهم. وحين استنصحتهم في ‏إطلاعك على ما وقع لي، كي يعلم العالم، تبسموا وقالوا: لا بأس. ولكن العالم لن يعلم. وصاحبك لن يصدقك، ‏فليس كل ما يهبط من السماء وحيا. وهذه من عجائبكم!‏
قد لا أكون الوحيد الذي اختاروه. ولكنني، وحقك، مختار من المخاتير. وأنت أيضًا، يا معلم أصبحت مختارًا. فأنا ‏اخترتك لتروي عني أعجب عجيبة، فتمط عجبًا! ‏
كيف اختاروني? لأنني اخترتهم. ظللت طول العمر أبحث عنهم، وأنتظرهم، وأعوذ بهم، حتى لا مندوحة‏
عجيبة? لا بأس. كان أسلافنا في الجاهلية يصنعون آلهتهم من التمر، حتى إذا جاعوا أكلوها. فمن الجاهلي يا معلم، ‏أنا أم أكلة آلهتهم? ‏
ستقول: لأن يأكل الناس آلهتهم خير من أن تأكلهم الآلهة. فأرد عليك: إن آلهتهم كانت من التمر!‏

‏ *المقصود الرئيس جونسون.‏
‏*الخادم الذي يقدم الطعام والشراب.‏
‏*اللجنة التنفيذية للهستدروت.‏
‏*قطز: السلطان المملوكي الذي وقعت في عهده حادثة عين جالوت بالقرب من الناصرة وهي ‏الواقعة الشهيرة التي اوقفت زحف هولاكو التتري وكان بيبرس قائد هذه الوقعة تحت إمرة ‏قطز فأبلى بلاء حسنا فتوقع أن يقطعه قطز مدينة حلب ولكن قطز خيب امله فتآمر بيبرس ‏وزميل له على حياة قطز فأكب زميله على يد السلطان يقبلها فأهوى بيبرس على عنق ‏السلطان بالسيف فقتله وقعد مكانه وذلك في سنة 1262م.‏
‏* التي يتأخر ايناع ثمرها.‏

ليست هناك تعليقات: