الأحد، 15 أبريل 2007

(3)

سعيد ينتسب

إن اسمي، وهو سعيد أبو النحس المتشائل، يطابق رسمي مخلقًا منطقًا وعائلة المتشائل عائلة ‏عريقة نجيبة في بلادنا. يرجع نسبها إلى جارية قبرصية من حلب لم يجد تيمورلنك لرأسها ‏مكانًا في هرم الجماجم المحزوزة، مع أن قاعدته كانت عشرين ألف ذراع وعلوه كان عشر ‏أذرع، فأرسلها مع أحد قواده إلى بغداد لتغتسل فتنتظر عودته. فاستغفلته. (ويقال - وهذا سر ‏عائلي - إن ذلك كان السبب في المذبحة المشهورة). وفرت مع أعرابي من عرب التويسات، ‏اسمه أبجر، الذي قال فيه الشاعر: ‏
يا أبجر بن أبجر يا أنتَ أنت الذي طلقت عام جُعْتَ ‏
فطلقها حين وجدها تخونه مع الرغيف بن أبي عمرة *، من غور الجفتلك، الذي طلقها في بير ‏السبع. وظل جدودنا يطلقون جداتنا حتى حطت بنا الرحال في بسيط من الأرض أفيح متصل ‏بسيف البحر، قيل إنه عكاء، فإلى حيفاء على الشاطئ المقابل من البسيط. وبقينا مطلاقين حتى ‏قامت الدولة. ‏
وبعد النحس الأول، في سنة 1948، تبعثر أولاد عائلتنا أيدي عرب، واستوطنوا جميع بلاد ‏العرب التي لما يجر احتلالها. فلي ذوو قربى يعملون في بلاط آل رابع في ديوان الترجمة من ‏الفارسية وإلىها. وواحد تخصص بإشعال السجائر لعاهل آخر، وكان منا نقيب في سوريا، ‏ومهيب في العراق، وعماد في لبنان. إلاّ ‏
أنه مات بالسكتة يوم إفلاس بنك أنترا. وأول عربي عينته حكومة إسرائيل رئيسًا على لجنة ‏تسويق العلت والخبيزة في الجليل الأعلى هو من أبناء عائلتنا، على أن والدته، كما يقال، هي ‏شركسية مطلقة. وما زال، عبثًا، يطالب بالجليل الأدنى. ووالدي، رحمه الله، كانت له أياد ‏على الدولة قبل قيامها. وخدماته هذه يعرفها تفصيلاً صديقه الصدوق ضابط البوليس المتقاعد، ‏الأدون سفسارشك. ‏
ولما استشهد والدي، على قارعة الطريق، وأنقذني الحمار، ركبنا البحر إلى عكا. فلما وجدنا ‏أن لا خطر علينا، وأن الناس لاهون بجلودهم، نجونا بجلودنا إلى لبنان حيث بعناها ‏واسترزقنا. ‏
فلما لم يعد لدينا ما نبيعه، تذكرت ما أوصاني به والدي وهو يلفظ أنفاسه على قارعة الطريق. ‏قال: رح إلى الخواجة سفسارشك، وقل له: والدي، قبل استشهاده، سلم عليك، وقال: دبرني! ‏فدبرني. ‏

*أبي عمرة:كنية الجوع

ليست هناك تعليقات: