الأحد، 8 أبريل 2007



الكتاب الأول:يعاد

(2)

سعيد يعلن أن حياته في إسرائيل كانت فضلة حمار!‏

لنبدأ من البداية. كانت حياتي كلها عجيبة. والحياة العجيبة لا تنتهي إلاّ بهذه النهاية العجيبة. حين سألت صاحبي ‏الفضائي: كيف آويتموني? قال: هل لديك من بديل? ‏
ففي الحوادث كمنوا لنا وأطلقوا الرصاص علينا. فصرعوا والدي، رحمة الله عليه. أما أنا فوقع بيني وبينهم حمار ‏سائب، فجندلوه. فنفق عوضًا عني. إن حياتي، التي عشتها في إسرائيل بعد، هي فضلة هذه الدابة المسكينة. فكيف ‏علينا أن نقوم حياتي يا أستاذ? ‏
غير أنني أراني إنسانًا فذًا. ألم تقرأ عن كلاب لعقت الماء المشبع بالسم، فماتت، لتنبه أسيادها ولتنقذ حياتهم? وعن ‏الخيول التي فرت بفرسانها الجرحى، تعدو سوابق ريح، فأنفقها الإجهاد بعد أن بلغت بهم مضارب الأمان? أمَّا أنا ‏فأول إنسان، على ما أعهد، أنقذه حمار محرن لا يسابق ريحًا ولا يبغم. فأنا إنسان فذ. وقد يكون الفضائيون ‏اختاروني على ذلك. ‏
علمني، بحياتك، الإنسان الفذ من يكون? أهو الذي يختلف عن الآخرين، أم هو الواحد من هؤلاء الآخرين? ‏
قلت إنك لم تحس بي أبدًا، ذلك أنك بليد الحس يا محترم. فكم من مرة التقيت اسمي في أمهات الصحف? ألم تقرأ ‏عن المئات الذين حبستهم شرطة حيفا في ساحة الحناطير (باريس حاليًا) يوم انفجار البطيخة? كل عربي ساب في ‏حيفا السفلى على الأثر حبسوه، من راجل ومن راكب. وذكرت الصحف أسماء الوجهاء الذي حبسوا سهوًا، ‏وآخرين. ‏
آخرون - هؤلاء أنا. الصحف لا تسهو عني. فكيف تزعم أنك لم تسمع بي? إني إنسان فذ. فلا تستطيع صحيفة ‏ذات اطلاع، وذات مصادر، وذات إعلانات، وذات ذوات، وذات قرون، أن تهملني. إن معشري يملأون البيدر ‏والدسكرة والمخمرة. أنا الآخرون. أنا فذ!

ليست هناك تعليقات: