الكتاب الأول:يعاد
(2)
سعيد يعلن أن حياته في إسرائيل كانت فضلة حمار!
لنبدأ من البداية. كانت حياتي كلها عجيبة. والحياة العجيبة لا تنتهي إلاّ بهذه النهاية العجيبة. حين سألت صاحبي الفضائي: كيف آويتموني? قال: هل لديك من بديل?
ففي الحوادث كمنوا لنا وأطلقوا الرصاص علينا. فصرعوا والدي، رحمة الله عليه. أما أنا فوقع بيني وبينهم حمار سائب، فجندلوه. فنفق عوضًا عني. إن حياتي، التي عشتها في إسرائيل بعد، هي فضلة هذه الدابة المسكينة. فكيف علينا أن نقوم حياتي يا أستاذ?
غير أنني أراني إنسانًا فذًا. ألم تقرأ عن كلاب لعقت الماء المشبع بالسم، فماتت، لتنبه أسيادها ولتنقذ حياتهم? وعن الخيول التي فرت بفرسانها الجرحى، تعدو سوابق ريح، فأنفقها الإجهاد بعد أن بلغت بهم مضارب الأمان? أمَّا أنا فأول إنسان، على ما أعهد، أنقذه حمار محرن لا يسابق ريحًا ولا يبغم. فأنا إنسان فذ. وقد يكون الفضائيون اختاروني على ذلك.
علمني، بحياتك، الإنسان الفذ من يكون? أهو الذي يختلف عن الآخرين، أم هو الواحد من هؤلاء الآخرين?
قلت إنك لم تحس بي أبدًا، ذلك أنك بليد الحس يا محترم. فكم من مرة التقيت اسمي في أمهات الصحف? ألم تقرأ عن المئات الذين حبستهم شرطة حيفا في ساحة الحناطير (باريس حاليًا) يوم انفجار البطيخة? كل عربي ساب في حيفا السفلى على الأثر حبسوه، من راجل ومن راكب. وذكرت الصحف أسماء الوجهاء الذي حبسوا سهوًا، وآخرين.
آخرون - هؤلاء أنا. الصحف لا تسهو عني. فكيف تزعم أنك لم تسمع بي? إني إنسان فذ. فلا تستطيع صحيفة ذات اطلاع، وذات مصادر، وذات إعلانات، وذات ذوات، وذات قرون، أن تهملني. إن معشري يملأون البيدر والدسكرة والمخمرة. أنا الآخرون. أنا فذ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق