الجمعة، 20 أبريل 2007

(5)

بحْث في أصْل المتشائل ‏

‏ لما نزلت عن الحمار رأيتني أطول قامة من الحاكم العسكري فاطمأنت نفسي حين وجدتني أطول قامة منه ‏بدون قوائم الحمار. فارتحت على مقعد من مقاعد المدرسة التي حولوها إلى مقر الحاكم وحولوا ألواحها إلى ‏طاولة بنغ بونغ. ‏
شعرت بالاطمئنان وحمدته على أنني أطول قامة من الحاكم العسكري بدون قوائم الحمار. ‏
هذه هي شيمة عائلتنا. ولذلك سميت بعائلة المتشائل. فالمتشائل هي نحت كلمتىن اختلطتا على جميع أفراد ‏عائلتنا منذ مطلقتنا القبرصية الأولي. وهاتان الكلمتان هما المتشائم والمتفائل. فدعينا بعائلة المتشائل. ويقال إن ‏أول من أطلقها علينا هو تيمورلنك نفسه بعد مذبحة بغداد الثانية. وذلك لما وشوا بجدي الأكبر، أبجر بن أبجر، ‏وأنه، وهو على متن فرسه خارج أسوار المدينة، التفت فشاهد ألسنة اللهب، فهتف: بعدي خراب بصرى! ‏
خذني أنا مثلاً، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل. فأسأل نفسي: من أنا? أمتشائم أنا أم متفائل? ‏
أقوم في الصباح من نومي فأحمده على أنه لم يقبضني في المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن الأكره ‏منه لم يقع، فأيهما أنا: المتشائم أم المتفائل? ‏
ووالدتي من عائلة المتشائل أيضًا. وكان أخي البكر يعمل في ميناء حيفا. فهبت عاصفة اقتلعت الونش الذي ‏كان يقوده وألقته معه في البحر فوق الصخور، فلموه وأعادوه إلىنا إربًا إربًا، لا رأس ولا أحشاء. وكان ‏عروسًا ابن شهره. فقعدت عروسه تولول وتندب حظها. وقعدت والدتي تبكي معها صمتًا. ثم إذا بوالدتي ‏تستشيط وتضرب كفا بكف وتبح قائلة: (مليح أن صار هكذا وما صار غير شكل)! فما ذهل أحد سوى ‏العروس، التي لم تكن من العائلة فلا تعي الحكم. ففقدت رشدها، وأخذت تعول في وجه والدتي: أي غير شكل ‏يا عجوز النحس (هذا اسم والدي، رحمه الله): أي شكل بعد هذا الشكل يمكن أن يكون أسوأ منه? ‏
ولم يرق والدتي نزق الشباب. فأجابتها بهدوء، وكأنها تقرأ في المندل: أن (تخطفي) في حياته يا بنية - أي أن تهربي ‏مع رجل آخر. علمًا بأن والدتي تحفظ شجرة العائلة عن ظهر قلب. ‏
والحقيقة أنها هربت، بعد سنتين، مع رجل آخر. فكان عاقرًا. فلما سمعت الوالدة أنه عاقر، رددت لازمتها: ‏فلماذا لا نحمده? ‏
فأيهم نحن: المتشائمون أم المتفائلون? ‏

ليست هناك تعليقات: